المتعصبون والمتطرفون

تأثير دوننج وكروجر

مما يروى عن الخليل ابن أحمد الفراهيدي (718م-786م) في تصنيفه للناس أنه قال: " الرجال أربعة.  رجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذاك غافل فنبّهوه، ورجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عاقل فاعرِفوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذاك جاهل فعلِّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذاك مائقٌ (أي أحمق) فاحذَروه.

لكن هذا التصنيف الذكي والملاحظة العميقة من الخليل بن أحمد، والتي تناقلها الأدب العربي حتى تاريخنا المعاصر، لم تخضع للبحث العلمي حتى أقدم ماك آرثر عام 1995 على السطو بكل جرأة وثقة، على بنك في مدينة بتسبرج في رابعة النهار، دون أن يرتدي قناعاً على وجهه يمنع الناس من التعرف عليه.

وعندما ألقت الشرطة القبض عليه، لاحقاً في ذلك اليوم، وأروه شريط الفيديو المسجل لسرقته من كاميرات البنك، بدى مندهشاً تماماً، وقال للشرطي بلغة المتعجب "ولكنني وضعت العصير على وجهي".  لقد كان يعتقد جازماً، أن فرك وجهه بعصير الليمون سيخفيه ولن يستطيع أحد من الناس أن يراه.

بعد ذلك بأربع سنوات (1999م) أي بعد ملاحظة الخليل ابن أحمد بما يزيد عن 1200 سنة، قام عالمي النفس ديفد دوننج وجاستين كروجر بدراسة على مجموعة من الناس باستخدام بعض المقاييس الخاصة بتقييم الذات فيما يتعلق بقدراتهم في: الفكاهة والقواعد والمنطق.

وجد الباحثان أن الأشخاص غير الأكفاء لم يكونوا فقط ضعيفي الأداء، بل إنهم كانوا غير قادرين أيضا على تقييم أدائهم بدقة.  

وبلغة الأرقام فإن الذين كانت درجات اختبارهم في المئين الثاني عشر، كانوا يقدّرون أنهم في المئين الثاني والستين. 

ماخذين في أنفسهم مقلب


A little learning is a dangerous thing.” 

Alexander Pope

هذا التباين الكبير في تقديرهم لذواتهم، وما هم عليه في الحقيقة، هو ما يعرف الآن بــ: تأثير دوننج وكروجر.  إنه نوع من التحيز المعرفي الذي يعتقد فيه بعض الناس أنهم أذكى وأكثر قدرة مما هم عليه حقا. 

وفي المجمل، يميل الأشخاص غير الأكفاء إلى:

  • الفشل في التعرف على أخطائهم الذاتية وعدم كفاءتهم

  • المبالغة في تقدير مهاراتهم الخاصة بسبب (الجهل وجهل الجهل)

  • الفشل في التعرف على مهارات وخبرات الآخرين

ومنا هنا أعطى مصطلح "تأثير دوننج وكروجر" إسماً علمياً، لتصنيف الخليل ابن أحمد "رجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري"، ومقولة تشارلز داروين في كتابه "نزول الإنسان"، بأن "الجهل يولد الثقة في كثير من الأحيان، أكثر من المعرفة".


فعلاً في كثير من الحالات، لا يبدو عدم الكفاءة أمراً مزعجاً لأصحابه، بل الحقيقة أنهم غالبا ما يظهرون بثقة غير لائقة، دافعها الشعور المتين بالعلم والمعرفة

وفي المقابل فإن ذوي الكفاءة الجيدة قد لا يظهرون بالثقة الكافية نتيجة شعورهم بعدم العلم أو المعرفة الكافيين. (كما يظهر في الصورة التالية).

مما يعني أن لتأثير دوننج وكروجر انعكاسات عميقة على ما نؤمن به وما نتخذه من قرارات وإجراءات في مختلف مناحي حياتنا.

                     Explaining the Dunning-Kruger Effect