المقابلة النفسي

مِِبْضع الطبيب النفسي

يلتقي الطبيب النفسي مرضاه أو مراجعيه في مقابلات مقننة، تتبع منهجاً ثابتاً تقريباً، يتدرب عليها طوال سنوات دراسته حتى يتقنها.  يتم من خلال هذه المقابلات جمع المعلومات اللازمة للتشخيص والعلاج وتصنيفها في ما يسمى بقاعدة البينات النفسية التي يمكن القول بأنها خط سير المقابلة والعلاج.

ما هي المقابلة النفسية؟

هي الأداة الأساسية التي يستخدمها الطبيب النفسي في تقويم حالة المريض.  وهي تشبه إلى حد كبير مقابلة المريض العضوي في التخصصات الطبية الأخرى التي تهدف إلى أخذ التاريخ المرضي والفحص السريري.  تشترك كلها في المسح المقنن لجوانب الحالة المختلفة ومحاولة الوصول لتشخيصٍ محدد أو فارقٍ،  ورسم خطة للمزيد من الفحوصات والعلاج. 

لكن المقابلة النفسية تتميز عن غيرها بتركيزها على الجوانب الإنفعالية وملاحظة سير التفاعل بين المريض والطبيب لما لهذا التفاعل من أهمية في التشخيص. 

ورغم التقدم الهائل في علوم المختبرات والتصوير الإشعاعي والطبي، إلا أنها لا تعدو أن تكون وسائل مساعدةً في التشخيص، تؤكد أو تستبعد في الجانب العضوي، ما يمكن أن يكون الطبيب النفسي قد حصل عليه من المقابلة.

ويتصور البعض -كما يشاهد في الأفلام- أنه سيتمدد على كنبة ويستغرق في الحديث عن كل شاردة وواردة حتى يفرغ ما في جعبته من قصص وذكريات.

والواقع أن المقابلة تتم في مكتب طبي بسيط، كما يوجد في عيادة أي طبيب، مع المريض لوحده، إن كان قادراً على إعطاء المعلومات كاملة.  لكنه قد يشارك الحضور معه أحد أو بعض أقاربه إن لزم الأمر.

ويمتد زمن المقابلة من نصف ساعة إلى ساعة حسب تعقيد حالة المريض، وتعاونه، وكمية المعلومات المستخرجة، ومداخلات أقاربه.

      المقابلة النفسية الأولى هدفها 1. التشخيص و 2. رسم الخطة العلاجية، وليست جلسة علاج كما يظن البعض

ما هي أهداف المقابلة النفسية؟

تهدف المقابلة النفسية إلى الإجابة على أسئلة محددة توصل الطبيب إلى تقييم متكامل لحالة المريض، كما يلي:

  • هل يعاني المريض من إضطراب نفسي؟ 

    هذا هو السؤال الأساسي الذي ينبغي للطبيب الإجابة عليه في نهاية المقابلة، والذي ينبني عليه تحديد مدى الحاجة للمزيد من الفحوصات أوالعلاج.

  • ما هوالتشخيص بالتحديد؟ 

    يتم التشخيص بتحديد العلامات والأعراض وكيفية تطور الحالة.  ورغم أن مصداقية التشخيص تختلف من إضطراب لآخر، إلا أن التشخيص يعطي كذلك مؤشراً لمآل الحالة، وإمكانية وجود حالات أخرى مصاحبة، وإحتمالات إصابة أفراد آخرين في نفس الأسرة.

  • ما شدة هذا الإضطراب؟ 

    والجواب على هذا السؤال يحدد الحاجة للعلاج وأسلوبه، إبتداءاً من مجرد زيارات متباعدة للعيادات الخارجية، وإنتهاءاً بدخول المستشفى والمراقبة اللصيقة.  ولتحديد شدة الحالة يتم تقويم مدى الخطورة على النفس أو الآخرين، ومدى القدرة على الإعتماد على النفس، وأداء الأدوار الوظيفية والإجتماعية المناطة.

  • هل سبب الاضطراب خللاً عضوياً أثّر في الوظائف الدماغية؟ 

    قد تكون الأعراض النفسية أحياناً نتيجة خلل تشريحي أوفيسيولوجي في وظائف الدماغ. 

    وعندما تكون الأعراض نتيجة خلل وظيفي دماغي فذلك يجعلها أقل إستجابة للمتغيرات البيئية والعوامل الخارجية.  لذا نجد  -على سبيل المثال- أن تقلبات المزاج الناتجة عن الإضطراب الوجداني ثنائي القطب (والذي ثبتت له أسباب بيولوجية وجينية)، تحدث في أوقات معينة لا علاقة لها بأحداث حياة المريض في أغلب الأحيان، وذلك مقارنة بالتقلبات المزاجية الناتجة عن إضطراب الشخصية النرجسية التي غالباً ما يسبقها تفاعلات مع الآخرين. 

    ومن ناحية أخرى فعندما تكون الوظائف الدماغية مضطربة، فإن الإستجابة للعلاج الدوائي تكون أحرى، بينما يكون العلاج اللادوائي وتأثير العوامل الخارجية أقل تأثيراً. 

  • ما هو مستوى الأداء الوظيفي الأصلي والحالي للمريض؟ 

    الأداء الوظيفي لا يقصد به العمل الحكومي أو الخاص، وإنما يقصد به قدرة  المريض على أداء مهامه والقيام بشئونه الخاصة والعامة في الحياة والتفاعل مع الآخرين. 

    وتعتبر هذه انعكاساً لقدراتى المريض الذهنية والإنفعالية والجسدية ومؤشراً لبداية الاضطراب، ومدى التدهور الوظيفي الذي طرأ عليه نتيجة للمرض.  كذلك فإنها تلقي بعض الضوء على العوامل البيئية والإجتماعية المسببة للاضطراب، ونقاط الضعف والقوة لدى المريض، وإمكانية إستجابته للتغيير البيئي أوالإجتماعي.


  • ما هي العوامل البيئية التي ساهمت في حدوث الإضطراب؟ 

    هذه العوامل الخارجية قد تكون أحداثاً طارئةً عجلت في حدوث الحالة، أو عوامل مزمنةً أدت لزيادة الإستعداد للإصابة.  ومن أمثلة الأحداث الطارئة: الفقد والصدمات. 

    أما الأحداث المزمنة الضاغطة فهي تهيئ لحدوث المرض وتقلل من توقعات التحسن.


  • ما هي العوامل التكوينية التي تساهم في حدوث الإضطراب؟ 

    من المحتمل أن يكون تأثير العامل التكويني في الأمراض النفسية مباشراً من خلال أثره على الجهاز العصبي المركزي، أوغير مباشرٍ نتيجة الألم أو الإعاقة أو الوصمة المجتمعية. 

    والعوامل البيولوجية يمكن أن تهيئ للإضطراب النفسي أو تكون سبباً مباشراً له أو كلاهما.  فالمريض الذي يملك إستعداداً وراثياً للفصام مثلاً، يكون أكثر عرضة من غيره للإصابة بحالة ذهانية عند تعاطيه جرعة من المنشطات.  والمريض الذي يعاني من نقص في إمكاناته العقلية نتيجة مضاعفات الولادة ، قد تكون قدراته على الإستقلال الذاتي أقل من المعدل الطبيعي.

  • ما هي العوامل النفسية التي تساهم في الإضطراب؟ 

    المقصود هنا هو السمات النفسية والعقلية التي يستخدمها المريض في مواجهة أحداث الحياة.  ومع أنها قد تتداخل مع العوامل الإجتماعية والبيئية إلا أنها تبقى جوهرية وثابتة ويصعب تعديلها بمؤثرات خارجية.

    ومن الجدير ذكره أن كل عامل تكويني أو نفسي أو بيئي، يتكون من عوامل أخرى مهيئة (تجعل الفرد بتكوينه مهيئاً للإصابة بالمرض النفسي) ، وعوامل محفزة (تساعد على ظهور الأعراض في وقت محدد) ، وعوامل ضاغطة (تساعد على استمرار المرض).

  • ما مدى رغبة المريض في التحسن وقدرته على تحقيق ذلك؟ 

    تعد رغبة المريض في التحسن وقدرته على تحقيق ذلك هي المحك الحقيقي لإمكانية الشفاء بإذن الله، وإختيار الوسيلة المناسبة لذلك، مهما كان التشخيص. 

    فرغبة بعض المرضى لا تعدو أن تكون آنيّة بهدف التخلص من الأعراض، بينما يمتلك البعض الآخر دافعاً حقيقياً للتغيير في تفكيره وسلوكه وطبيعة علاقاته.  وهناك أيضاً من يطمح إلى فهم عميق لذاته، وهناك من لا يريد سوى دواءاً أونصيحةً عاجلة.

  • هل المريض قادر على أخذ العلاج ، والإلتزام؟

    هذه نقطة أخيرة لابد من الأخذ بها عند رسم الخطة العلاجية.  فمريض الفصام مثلاً، قد لا يوافق على أخذ الدواء وإن وافق، فهو لا يملك -بسبب تشوش فكره وضعف استبصاره- القدر الكافي من الإلتزام الذي يكفل إنتظامه في تعاطيه والإفادة منه.


ماهي بنود المقابلة النفسي؟

تتسلسل أسئلة الطبيب النفسي أثناء المقابلة بشكل نطقي ومحدد، تدرب عليه سنين عديدة، تكفل أنه لن ينسى شيئاً مهماً بإذن الله.

يسير الطبيب عند مقابلة المريض الأولى على خطة تتكون من أسئلة محددة في بنود محددة، كما هو الحال في كل تخصص طبي، لذلك من الخطأ أن يحاول المريض السيطرة على المقابلة، ويصر على سرد كل ما كتبه من معلومات قد لا تفيد في الشخيص مثل أسماء الأطباء الذين سبق أن قابلهم ومواقع علمهم، وماذا قال عمه في الموقف الفلاني وكيف تصرفت خالته…الخ

  1. الشكوى الرئيسية التي جاءت بالمريض للمستشى أو العيادة (بعبارة قصيرة).

  2. التاريخ المرضي النفسي الحالي وفيه يتوسع الطبيب ليعرف كل الأعراض والعلامات الي توصله للشخيص.  ويستغرق هذا البند جُلّ المقابلة.

  3. التاريخ المرضي النفسي السابق ويعود لبدايات نفس الحالة إن كانت هناك نوبات سابقة، أو أي حالات أخرى.

  4. التاريخ الطبي السابق وهو ما قد يعانيه المريض من أمراض أخرى عضوية.

  5. التاريخ الأسري للأمراض النفسية في أفراد الأسرة من الدرجتين الأولى والثانية.

  6. التاريخ الشخصي وفيه يتم التطرق لخبرات المريض الفارقة في كافة مراحل حياته.

  7. سمات الشخصية وهنا يحاول الطبيب التعرف على جوانب شخصية المريض.

  8. فحص الحالة العقلية مثل المظهر والسلوك والتفكير والإنفعالات والقدرات الإدراكية والإستبصار.  وهو يشبه الفحص الجسدي في التخصصات الطبية الأخرى.

  9. التشخيص وخطة العلاج وهي المحطة الأخيرة التي يكون فيها النقاش والرأي.


نصيحتي لكل مريض نفسي: عند زيارتك للطبيب دعه يقود المقابلة، وشاركه أنت متعة الرحلة

  البروفيسور عبدالله السبيعي