المواجهة التي لا بد منها

هل لديك رغبة ما؟ أو لك حاجة ما؟ أو حق ما؟

الجواب حتماً: نعم

والحتمية الأخرى التي ستجد نفسك أمامها كثيراً، هي أنك ستضطر كثيراً لمواجهة لا بد منها مع أحدهم للتعبير عن رغبتك، أو لطلب حاجتك، أو للحصول على حقك؟

وقد تكون المواجهة في أمر صغير مثل أن تطلب من أحد أفراد عائلتك أن يعمل ما هو مطلوب منه.. أو أمراً أكبر من ذلك كأن تنبّه زميلك الذي كثيراً ما ينسب عملك لنفسه، ويظهر على حسابك.. أو تطالب صديقاً بمبلغ من المال أخذه منك ولم يعده إليك.. أو قريباً يتجاوز حدود اللياقة في مزاحه معك ... الخ

التصور الذهني عن المواجهة عادة… هو أنها ستكون في غضب وصراخ وعدائية، يصاحبها دموع وخوف وحرج، وستنتهي بخسارة أو هجران أو قطيعة... الخ

لذلك الكثير منا يميل إلى تجنب المواجهة وتأخير الموضوع إلى أجل غير مسمى.  وهذا تصرف مريح على المدى القصير بلا شك، ويزيح عن كواهلنا الهم،  مدة لن تطول بالتأكيد.

وفي كل مرة نحاول أن نفعل شيئاً مختلفاً ونتمرد على أنفسنا، نسمع في داخلنا هاتفاً يقول "أنت لست بحجم هؤلاء الناس.. أنت لا تملك القدرة على مواجهتهم"... الخ، والنتيجة معروفة.

كل موقف جديد يمر بنا ونشعر فيه بالقهر أو الظلم، يأتي هذا الهاتف ليخذلنا مرة أخرى.  وهذا يعزز في أنفسنا نفس النمط من الرضى بالواقع الأليم، والخوف والهروب من المواجهة، ليبقى الحال على ما هو عليه.

أعظم مواجهة، هي تلك التي يقوم بها المرء  مع نفسه

أصغر فارهادي

نكرر هذا السلوك التجنبي بحجة أننا نريد أن نحافظ على علاقة جيدة مع الآخرين.  لكن الحقيقة أن العلاقة معهم تزداد توتراً وضرراً، وربما تنقطع تماماً أو تنقلب إلى عداء مستمر، بسبب تلك المشاعر السلبية التي تتسرب إلى دواخلنا على شكل كراهية وحقد، وتظهر على تصرفاتنا على شكل تجنب أو صمت أو عدم تعاون، وهو ما يسمى بالعنف المبطن.

وليس أقل سوءاً من ذلك أن مشاعرنا المكبوتة للحفاظ على علاقة طيبة، ربما تنفجر يوماً ما على شكل عاصفة هوجاء من الغضب، إثر أمرٍ يبدو بسيطاً، لكنه كان القشة التي قصمت ظهر البعير.

ومن ناحية أخرى فإن الذي نفعله مرة تلو أخرى بتأجيل المواجهة التي نخشاها، هو أن الطرف الآخر الذي يجب أن تصله الرسالة، يتمادى ويستمر فيما يفعله.  ونحن من نفوّت عليه فرصة عظيمة لتغيير نفسه وتطوير مهاراته في التعامل، تماماً مثل ما نفوّت على أنفسنا فرص للحرية والنجاح، والراحة النفسية والعلاقات الطيبة، أو حقوقاً عملنا عليها ويجب ألا نخسرها.

كيف نتصرف مع هؤلاء الذين يؤذوننا بشكل أو بآخر ولا نريد أن نخسرهم؟

أولاً: بالإستعداد النفسي
  1. راجع تصوراتك الذهنية

    المواجهة الجيدة ليست أمراً سيئاً كما تعلمت في طفولتك. إذا كنت تشاهد أبويك يتخاصمان كثيراً، فقد تكون هذه الأحداث ومشاعرك حينها هي مرجعيتك الآن، وقد حان الوقت لتغييرها (راجع معالجاً نفسياً يساعدك).

    الحقيقة أن نقاشاً عقلانياً بأسلوب محترم يمكن أن تخرج منه كل الأطراف رابحة وراضية.

  2. فكر فيما ستقوله، لا فيما كيف سيفهمه الطرف الآخر

    عندما تكون خائفاً من رد فعل الطرف الآخر، ستفقد التركيز على هدف النقاش.  لديك حاجة أو حق أو وجهة نظر، ولك كل الحق في التعبير عنها.   لذلك ركز حديثك على نقطة أو نقطتين واطرحهما بثقة.

المواجهة ليسا مفردة سيئة، طلما أنها ليست هدفاً بحد ذاتها

دون هيويت

ثانياً: بتجهيز  الساحة
  1. كن ذكياً في اختيار الهدف المناسب

    البعض يواجه باستمرار ويخاصم على كل شيء وإن كان محقّاً، فيبدولجوجاً، صعباً وسيء الطباع. 

    وعلى النقيض فالبعض الآخر يعتقد أنه يجيد فن التجاهل، وقد يستطيع تسيير الأمور بلا مشكلات مدة من الزمن، لكنه قد يقع في شعور دائم من السخط، والقهر والظلم الذي ربما يؤثر على تعامله أو عطائه أو حتى صحته في النفسية والجسدية ونظرته للحياة.

  2. كن ذكياً في اختيار الوقت المناسب

    الوقت الضيق للنقاش غير مناسب.. النقاش في الملأ غير مناسب.. عندما يكون الطرف الآخر في حالة نفسية سيئة غير مناسب.. الإستعجال في التجهيز غير مناسب

  3. اختر الملعب المناسب

    في حين أن بعض النقاشات يمكن أن تتم بشكل عفوي دون ترتيب، إلا أن البعض الآخر يحتاج لشيء من الإختيار الحكيم. 

    عندما يتم النقاش في مكان الطرف الآخر (مكتبه أو بيته) قد يجعله ذلك يشعر بالتهديد ويضطر إلى الدفاع ومن وسائل الدفاع الهجوم، في حين أن النقاش في مكانك أنت ربما يجعلك في موقف أقوى.